
تنسيق الحدائق هو نشاط إنساني يقوم به بإنماء و زراعة أنواع شتى من النباتات, و يدعى البستنة , و في الحدائق يتم زراعة و رعاية أنواع مختلفة من النباتات , مثل النباتات الموسمية و النباتات المعمرة , و كذلك تزرع نباتات الزينة و النباتات المثمرة , و أكثر ما يمال إليه في الحدائق هو أزهار الزينة و الصبار و أيضا تزرع بعض أشجار التفاحيات و الحمضيات و تزرع أيضا النباتات ذات الجذور المثمرة مثل الجزر و البطاطا , و تزرع كذلك الجوزيات و الكرزيات المثمرة و غير المثمرة , و كان أصل الحدائق في بدئها هو زراعة ما حيتاجه الإنسان للحياة ثم مع تطور الزراعة و تحولها إلى شكل من أشكال الصناعة بدأ الناس في القرى يزرعون من النباتات ما يروحون به عن أنفسهم , و يجلب لهم الظل و الهواء النقي بخلاف الهدف الأصلي لها و هو زراعة ما يأكل بالمقام الأول , و إن كان بعض ما يزرع في الحدائق ينبت له ثمر يُأكل , و مع مرور الأيام تطور فعل تنسيق الحدائق إلى علم و عمل يدرس و يدرب .
و بدء تاريخ تنسيق الحدائق منذ قديم , حيث بدء منذ قبل التاريخ مع بداية معرفة الإنسان بالعناية بالأشجار و النباتات , حيث كان يعتني الإنسان بالأشجار المهم بالنسبة له في ذلك الوقت , و هي الأشجار التي تبقيه على قيد حياة و تكيفه جزءا من مئونة الحياة و توفر قدرا ما من الغذاء , حيث كان الإنسان يعتني بالأشجار المثمرة على ضفاء الأنهار و يضمن لها شيئا من الرعاية مثل التقليم و الري و محاولة تنميتها و تكثيرها و زيادة المرغوب منها, و إزالة النباتات و الأشجار غير المرغوب فيها , و هو ما يدعى الآن بستنة الغابات و كانت تلك هي البداية الأولى للتنسيق الحدائق و العناية بها على إختلاف أوجهها و طرقها في البلدان و الأماكن .
مع مرور الوقت بدأ تنسيق الحدائق بالتطور و النمو خاصة خلال القرون الوسطى (476-1453), و كان أحد أهم أهداف الحدائق هو هدف جمالي و هو ما بلور فكرة الحدائق في هذا , و كان إنشاء القصور الفخمة و القلاع الضخمة أحد أهم أهدافها إنشاء الحدائق , و كان الحصول على الأعشاب الطبيبة من الغايات المشجعة لإنشاء الحدائق و القيام بأعمال البستنة في العصور الوسطى أو لتزين قصور الملوك و الأمراء و المعابد الدينية , و كان الناس في ذلك الوقت يقومون بإنشاء حدائق منزلية لزراعة ما يقيمون به أودهم في أوقات القحط و أو ما لا يتسنى شراءه من الأسواق بالأوقات العادية لعدم توفره أو صعوبة تحصيله مع حاجتهم الغذائية له , فجل البيوت حوت حولها مساحة ما, كبرت أو صغرت لزراعة ما يتنسى لها زراعته, لتطور طرق الزراعة و سقي خاصة لدى المسلمين في ذلك الزمان , فحوت حواضر الإسلام ما لايسعه العين من البساتين و المحاصيل و الحدائق؛ لتطور المعرفة الزراعية و طرق الري لديهم, ما أعطاهم الأفضلية فيها على الشعوب المحيطة , و الحدائق الإسلامية أخذت فكرتها الأصلية من القرآن الكريم بوصفه للجنة , فمتازت تلك الحدائق بتنظيمها و أشجار وارفة الظلال و بركها المستدرية و المستطيلة الطويلة , و أقسامها الأربعة و غالبا ما كانت تحتوي على سواقي ماء و برك تجري فيها المياه و ليست راكدة , و كانت تحتوي على نباتات عطرية ذات رائحة فواحة , و كانت الحدائق في العصر الإسلامي أماكن لأخذ قسط من الراحة و الإستجمام , و ليست فقط للمشي , و كان لتلك الحدائق أثر على الشعر و الأدب العربي مما أثراه أيما إثراء , و كان تلك الحدائق تزدهر في وقت إزدهار الأمة و إنتصارها و نهضتها الثقافية و العلمية , و كانت تخبو في وقت الضعف , و تنوعت أشكال الحدائق و أنواعها و تنظيماتها حسب المنطقة و العصر , فالحدائق في العصر الأموي ليست على شالكة الحدائق في الهند الإسلامية بالكلية بل هناك مظاهر تلاق و فراق .
و لم تظهر الحدائق الغناء لدى المسلمين من العدم , بل كان لدى العرب أشكال مختلفة من الزراعة مثل زراعة النخيل في المدينة المنورة و مع انتشار الإسلام و اتساع الرقعة الحضارة الإسلامية و مرور الأيام , كان لكل هذه الأمور سبب بتحول غائية الحديقة من مصدر للحياة إلى غاية جمالية , وليست مصدرا للأكل فقط , و ظهرت أولى تلك المظاهر في ظل الخلافة الأموية في حدائقها في بلاد الشام و غيرها , و استمر الأمر في ظل الدولة العابسية كذلك , و تطور أيما تطور في بلاد الأندلس و أخذ الأمر أبعاد شتى و آفاق أخرى في ظل الدول المغولية الإسلامية في فارس و الهند حيث نقلوا الحدائق إلى مرحلة أخرى من الأبعاد و الفضاءات المختلفة لما برعوا به من فنون عديدة, و عرف ابن منظور الحديقة في كتابه لسان العرب “كل أرض استدارت أو أحدق بها حاجز أو أرض مرتفعة”,و كانت رمزية وجود الحديقة هي تماشيها مع ما ورد في القرآن الكريم من نصوص لوصف الجنة , فكانت الحديقة رمزا للتشابه بين ما ورد في النص الحكيم و ما يمكن تمثيله على الأرض بختلاف العوامل الجغرافية و البيئة لدى كل منطقة و غنها من الغطاء الزراعي.
كثير من الآثر الأموية ما زالت ماثلة للآن لتدل على فن الحدائق بالدولة الأموية و من أشهرها قصر الحير الشرقي الموجود في بادية الشام قرب مدينة السخنة و الرصافة شمال شرق دمشق , مازال هذا القصر بحديقته المحاطة برواق معمد يلفها المساكن و يلف المساكن كذلك جدار دفاعي يدافع القصر , و لقد بنسي هذا القصر في عهد الحاكم الأموي العاشر , و كان بناء قصر الحير يتسق مع البيئة الصحراوية المحيطة و يحقق الخصوصية كذلك , و كما تظهر الحفريات وجدود قناة مائية كانت تحضر الماء من نبع عين الديوك و النعيمات على بعد قرابة 8 كيلو متر.


و خلال العهد العباسي استمر ازهار الحدائق و انتشارها خلال فترة حكمهم خاصة مع نقل عاصمة الخلافة من بلاد الشام إلى العراق و من أبرز تلك المظاهر هو قصر الجوسق الخاقاني لما تمتاز به حديقته من نواح جمالية و إضافة مختلفة لما كانت عليه الحدائق في العهد الأموي, و كان قصر الجوسق الخاقاني الذي بناه المستعصم في سامراء , و كان القصر ضخما و كبيرا بالمقارنة مع القصور الأموية , فقد كانت مساحة الأرض التي بني عليها قرابة 1.74 كيلو متر مربع منها 0.69 كيلو متر مربع حدائق , و هذا يظهر من الحفريات الأثرية التي أقيمت , ويعطينا إنطباعا دقيقة عن ضخامة القصر و عظم الإهتنمام بحديقته و بساتينه.

و بعد فتح الملسمين للأندلس عام 711م ظهرت الحدائق بشكل آخر , لما تتمتع بها تلك البلاد من خصوبة في الأرض و تنوع في النباتات , و كذلك توافر الأنهار و الأمطار بشكل جيد ,و كان سبب تتطور فن الحدائق في الأندلس الإسلامية , هو التقدم العلمي و المعرفي و الثقافي الكبير لدى المسلمين هناك , مما ممكن من الإهتمام و الرعاية الحدائق و تنسيقها , و أضف إلى ذلك المعرفة الإسلامية المتقدمة في أنظمة الصرف المائي , و السوائق و القنوات في ذلك الوقت , مما وفر الماء للمزروعات طوال أوقات اليوم و السنة , و حافظ على بركها الغناء كذلك بكامل سعتها و جمالها , و زاد من جمال تلك الحدائق النوافير المتميزة التي كانت تحتويها تلك الحدائق , و من أبرز الأمثلة المتقدمة هناك هي مدينة الزهراء التي بدأ العمل بها قرابة عام 936 م و بني فيها قصر الزهراء , و الآثر ما زالت بارزة هناك تدل على حدائق الأمويين في الأندلس , و مما وجده الكشف الأثري هو تشابه الحديقة في الزهراء مع الحدائق العباسية و تتشابه في توزيعاتها للنباتات و البرك , مثل ما هو موجود في قصر الجوسق الخاقاني , و قصر بلكوارة في سامراء.




و مع حلول حكم الطوائف و زيادة البذخ لدى الحكام و زيادة التنافس؛ لإبراز المال و السلطة و النفوذ بينهم ظهر أنماط جديدة للحدائق , و لم يتعد الحدائق الغناء حكرا على الحكام و الملوك بل تعداها الأمر للوزاء و التجار و غيرهم أيضا, وساهم بذلك تطور علم الهندسة و و الفنون و الحرف ,مثل الحديقة الكبيرة في قصر المورق( الكازار) في أشبيلية لبني عباد, و مما تتمتاز به هذ الحديقة هي الأفنية المتعددة المصممة بعناية و شكل يعطي طابعا بالراحة و الهدوء و أروقة بسبب إرتباط عناصر الحديقة المعمارية مع بعضها بعضا و هي مرتبطة مع بعضها بمحاور معمارية متعامدة و هي عبارة عن ممرات مبلطة غير محاطة بالأشجار و تلك الأروقة معمدة أيضا , و يوجد في وسط الفناء الرئيس بركة منخفضة تعطي إنطباعا بالراحة و تضفي جوا الرطوبة.


و من الأمثلة المهمة في الحدائق الإسلامية هي الحدائق المغولية حيث امتازت تلك الحدائق منذ بدايتها في الإستخدام المكثثف؛ للعناصر المائية مثل البرك و القنوات المائية و كانت لديهم طرق مبتكرة لجلب الماء و رفعه للبرك و القنوات المائية, مثل حديقة قبر هميون.


و من الحدائق المميزة أيضا الحدائق العثمانية التي تميزت بضاخمتها و كون الحديق أيضا جزءا من الفناء الداخلي للقصر هو قصر التوبكابي.


و يوجد في هذه الحدائق رسم توضيحي لتطور الحدائق مع مرور الزمن و إختلاف الحقب و الحكام, بالإضافة إلى اختلاف الأماكن و المناخات الجوية و تباينها , مما أتاح لفن الحدائق تطور مختلفا من مكان لآخر و من زمان لآخر و نلاحظ أيضا مع مرور الوقت هو الزيادة في إضافة العناصر المائية و توسيع قنواتها كذلك , وزيادة الأفنية المزروعة كذلك.


و تنوعت أشكال الحدائق و أهدافها في التاريخ الإسلامي , فتحولت من ذات أهداف زراعية للحصول على الغذاء بالمقام الأول , إلى أهداف أخرى , و تغيرت و تحولت تلك الأهداف مع مرور الوقت , و بسبب الإزدهار الحضاري الإسلامي و توسع رقعة الدولة و امتداد الملسمين و زيادة مواردها و ثرواتها, و بسبب هذه العوامل العدة و غيرها برز هناك أهداف أخرى للحدائق , منها ما هو زراعية غذائية و منها ما له أهداف مختلفة تماما , فزادت المظاهر المعمارية من الأروقة و الممرات المعمدة و الأقواس الظاهر , و تعددت أشكال الحدائق و طرق تقسيمها و توزيعها , و زادت الحاجة إلى الخصوصية و التسوير, و انتشرت ثقافة الحدائق بين القصور الملكية , و الحدائق المنزلية, و حدائق المساجد , و حدائق المدن .
- الفناء الداخلي:
- أفنية المنازل السكنية .
- أفنية القصور .
- أفنية المساجد.
- أفنية الحدائق الكبيرة :
- الحدائق الملكية و تقسم لقسمين :
-)حدائق لإبراز قوة الحاكم و سلطته.
-) حدائق للراحة و الإستمتاع.
ب) حدائق المقامات و المزارات .
ج) حدائق المدن .
و كان لتطور شكل الأفنية و خصوصيتها لدى الحضارة الإسلامية أهمية كبيرة , حيث أعطى المعمار الإسلامية أهمية كبرى لتنظيم الفناء و أهتمام كبيرة بعناصره و خصائصه , مما أعطى شعورا أفضل و إحساسا أكبر بالفضاءات و الأمكن التي وفرها الفناء , و ظل استخدام الفناء متواصل في الحدائق الإسلامية , و أصبحت متأصلتا فيها , و إن كان هناك فوارق ظاهرة بين الأفنية لتعدد استخدامها , و ظهر استخدام الأفنية في فترات سحقية من التاريخ منذ عهد الفراعنة و حضارات بين الرافدين و بلاد الشام و العرب في الجاهلية , خاصة الأفنية الداخلية التي تحيط أو يطبق عليها المساكن و البناء من كل جهة فصار الفناء مركز للبناء و مركزيا للسكان, و الأفنية الداخلية التي امتازت بها الحضارة الإسلامية لما تحويها من خصوصية لأفراد البيت و لما يتحميهم من حفر الصيف و قيظ الشمس , مما ساعد الناس على التكييف في البيئات الصحراوية , و شديدة الحر , مما أعطى المعمار الإسلامي ميزة كبيرة , و أعطاه قدر أكبر من فرص البقاء و الإنتشار, و من أكثر الأمثلة الفاقعة عليه هو البيت الشامي أو الدمشقي الذي ما زال يستخدم مع مرور الأيام و الأزمان , و إن لم تكن الأفنية الداخلية حصرا و قصرا عليه فكان في المعمار الأندلسي و المملوكي كذلك.


أما أفنية القصور فكان تختلف بحجمها و أعدادها عن الأفنية للمنازل العادية , حيث كانت بالعادة تكون أكثر طولا و عرضا , و فيها عدة مناسيب و تحتي من البرك و القنوات المائية ما تحتوي , و غالبا ما كنت القصور الملكية تحتوي ثلاثة أفنية على الأقل أولها ؛ فناء السيدات وهن النساء التي تربطهم علاقة ما بالحاكم , وكانت تلك الأفنية تحتوي قدرا عاليا من الخصوصية و الأسوار المرتفعة لحماية نسوة ذلك القصر , و أيضا كان هناك فناء كبير للحاكم و حاشيته و وزارء و كان أيضا يمتاز بقدر عال من الحماية و الخصوصية , و كذلك كان هناك فناء عام هو لعموم الناس و لزوار الحاكم و للإحتفالات العام يسمح لهم بالدخول عليه , و من أبرز الأمثلة على وجود الأفنية الثلاثة هو قصر الحمراء في غرناطة في ظل دولة بني نصر.


و كانت هناك أيضا أفنية و حدائق داخلية في المساجد و محيط فيها, و كان هذا الفعل مقتبسا من المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة , حيث كان فناء المسجد النبوي الشريف مسور من أربع جهات , و كان الجدار الذي في جهة القبلة كان مغط بأورق و جذوع النخل , و تطور هذا الفعل من كونه تكيفا مع البيئة إلى فعل جمالية من الأروقة و الأعمدة المعمارية الجمالية , مثل حديقة البرتقال في مسجد أشبيلية.
